الزواج المبكر بين بعدين فقهي وقانوني

الزواج المبكر، بين بعدين: فقهي وقانوني

ظاهرة الزواج المبكر ليست ظاهرة حديثة في المجتمع ولكن كانت ظاهرة عند كثير من المجتمعات القديمة مثل الفراعنة البابلية اليهودية والهنود وغيرهم. كما أنها كانت موجودة في المجتمع العربي في الجاهلية واستمرت في ظل الإسلام. حيث لم يحدد الدين الإسلامي سناً أدنى للزواج، إلا أن تراث الفقه الإسلامي يتضمن مجموعة من الضوابط الشرعية والموضوعية كمحددات عامة منها ما هو فقهي ومنها ما هو موضوعي، سنستعرض أولا: أهمية «الوعي بضوابط الزواج» وثانيا «التفريق بين البلوغ والرشد» كأسس موضوعية لتحديد الأهليّة للزواج للفتاة وللشاب كذالك (حيث أن زواج الصغار يشمل تزويج الصغار من الذكور أيضاً).

الوعي بضوابط الزواج
الكفاءة: هي القدرة على ممارسة وظيفة الزوج (لكلا الزوجين) والتناسب بين الزوجين من حيث: العمر، والبنية الجسدية والمكانة الاجتماعية
تعني الكفاءة كذالك في أحد وجوهها تعني الندية أي أن كل طرف يكون قادرا على تحمل الطرف الآخر في المعاشرة والحقوق والواجبات.
الكفؤ المثل: «وفي الزواج أن يكون الرجل مثل المرأة في: الإسلام والحرية والصلاح والنسب وحسن الكسب والعمل».
والكفاءة تقتضي القدرة على أداء كلا الزوجين لأدوارهما دون تقصير لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ رَاعٍ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مسؤولة عن رَعِيَّتِهَا».
التناسب في الجيل: مما هو شائع في زواج الصغيرات أن معظم الزيجات تتم بين كبار السن من الرجال مع فتيات صغيرات دون سن 18 سنة وهنا مكمن الخلل وهذا التفاوت في السن يتضمن معه حتما التفاوت في البنية الجسدية وفي الخبرة بالحياة والوعي بين صغيرة لم يكتمل نموها ورجل كبير حتى إن تظاهر المجتمع بقبولها، وذلك يتنافى مع المبدأ القرآني :« {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21». وفي هذا التفاوت الصارخ في العمر نفي للمودة والرحمة المطلوبة شرعا.
المعاشرة الزوجية: أداء كل زوج لحقوقه تجاه الآخر وتوّفر حقوقه من الطرف الآخر: إذا كانت الزوجة صغيرةً دون الثامنة عشرة فهي ليست بالضرورة أن تكون قادرة على المعاشرة الجنسية (المسمى فقهيا الوطء) فما وجه الصواب في مثل هذه الزيجة ناقصة الوظيفة؟ والمعاشرة تقتضي البلوغ البيولوجي واكتمال النمو البدني والعقلي أيضا الذي يترتب عليه القدرة على الحمل والولادة. وأداء وظيفة الأمومة.
الأمومة : تبدأ من صلاحية الوطء والقدرة على الحمل الآمن والإنجاب والتربية والعناية بالأبناء، ويترتب على زواج الصغيرة مخاطر صحية جمة يجهلها المتحمسون لهذا النوع من الزواج. أولها الوفاة أو الإجهاض الذي يتسبب صحيا في مرض الزوجة الطفلة ويحرمها الأمومة بسب الوفاة المتكررة للمواليد وعدم قدرتها على الحمل (نموذج الطفلة الأم المتوفية) ويصبح أخذ رأي الأطباء المتخصصين ضروريا عند سن التشريعات أو إصدار فتوى أو تنظيم العلاقات الاجتماعية. هذا إضافةً لعدم قدرة الطفلة دون سن 18 سنة تربية الأطفال، حيث أن صغر السن للزوجة ينفي هذه الوظيفة التي ينبغي أن تؤدى بشكل آمن.
الأهلية للزوجين: وتعني وصولهما إلى سن الرشد الذي يمكّنهما من تحمل المسؤولية المدنية والجنائية وممارسة حقوقهما دون تبعية للغير بما في ذلك أسرتهما، والرشد يتجاوز سن البلوغ الذي قد يحدث مبكرا للطفل الذي لا يخرجه البلوغ من طفولته (ذكرا أو أنثى) وللأهلية متطلباتها: بلوغ سن الرشد، والعقل، والحرية الكاملة غير المنقوصة والحرية المطلوبة هنا هي قدرة الزوجة على التعبير عن إرادتها دون خوف أو تحفظ في مقدرتها على القبول والرفض والنقاش والامتناع وحتى طلب الطلاق أو الخلع إن اقتضى الأمر ذلك ، وفي غياب الحرية يسود استرقاق الإرادة واستلاب الشخصية باستتباع الزوجة للزوج دون نقاش. والعقل لا يتحدد بعدم الجنون أو بكبر السن وإنما بالعلم، إذ لا فرق بين الجاهل والمجنون إلا باختلاف نوع الضرر الناجم عن كليهما. ولذلك دعا رجال الفكر الإصلاحي إلى «صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معا». وزواج الأطفال عادة يتم في غياب هذه الشروط لكليهما إن كانا طفلين أو للطفلة إن كانت زوجة.
في حالات أخرى يتم الزواج بين طفلين الزوج والزوجة وهنا ينتفي شرط القوامة من الزوج لزوجته أو من الزوجة لأبنائها. الزوج الذي تعوله عائلته وتنتفي من الطفلة شروط الأمومة الآمنة بدنيا والواعية عقليا وإدراكا لوظيفة تربية الأبناء.
الفرق بين البلوغ والراشد :
الرشد هو قدرة الإنسان على اتخاذ القرار الصائب في حياته وسلوكه دون معاناة أو عجز {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً }الكهف66 والرشد في القرآن الكريم الهداية والصواب.الإنسان الراشد يحدد حقوقيا ونفسيا وبدنيا بهذه المؤشرات : هو شخص اكتمل نضجه ، يكون مسؤولا عن نفسه ، ويتمتع بحقوق الكبار، ومسؤول قانونياً عن أفعاله، ويمكن أن تسلط عليه العقوبة. وفي المواثيق الدولية والفكر الديني والإنساني يصبح الإنسان راشدا عند دخوله سن 18 سنة. ليتحقق له «بلوغ الرشد» بدنيّاً وعقليّاً وسيتحدد على سن الرشد وضوح التشريع لسن الزواج وسن الالتحاق بالعمل، وقد قسمنا الرشد إلى ثلاثة مراحل بالتوالي وفقا للنص القرآني والفكر الإنساني: ومن خلال استقصائنا للنص الديني (القرآن والسنة) وللتراث الفكري الإسلامي بخصوصه والإنساني بعمومه تبين أن الرشد ثلاثة أصناف، رشد أهلية، ورشد كفاءة، ورشد تام.
رشد الأهلية القانونية : اكتمال النضج البدني والنفسي والعقلي، حين يصل سنا معينة يصبح الإنسان عندها امرأة أو رجلا مسؤولا عن نفسه وأفعاله ومحاسب عليها وتطبق عليه القوانين، وهذا السن هو الفاصل بين الطفولة والرشد القانوني وتحمل المسؤولية، واستقلال الشخصية وهنا يبرز قصور التشريعات حيث تضطرب بين سن البلوغ وحق العمل وسن الحدث وسن الزواج، بينما في الغالب تحدد سن 18 سنة بالرشد القانوني حيث يصبح الإنسان «ذكرا أو أنثى» يخضع للمساءلة القانونية وتقرر عليه كامل العقوبة الجنائية، ويستطيع أن يشارك بالانتخابات ويستطيع السفر بنفسه دون عائق اجتماعي أو أسري أو قانوني). وهذا السن هو الحد الفاصل بين الطفولة والرشد، وتغدو مسؤولية الأسرة بعد هذا السن تجاه أبنائها اختيارية وليست إجبارية وتعدّ عوناً من قبل الأسرة وتفضلاً ليستشعر مبكراً تحمل المسؤولية.
والرشد في القرآن الكريم لم يتحدد بسن وإنما ترك تقديراً كما جاء في الآية الكريمة «{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً}النساء 7»
رشد الكفاءة: دخول مرحلة الاستقلال: وذلك عند التحاق الشخص الراشد رشداً قانونياً (18سنة) سوق العمل: حيث يكتسب عندئذ الاستقلال الشخصي في اتخاذ القرار، والقدرة على التفكير باستقلالية تامة لأنه يملك القدرة مادام يمتلك دخلاً ماديّاً يحقق به الكفاءة الاجتماعية في المساهمة في العمل المدني الطوعي وتكوين أسرته الخاصة به، ولم يعد بحاجة للأسرة التي خرج منها كي يأخذ منها احتياجاته بل يصبح داعما لها كي يرجع إليها بعض ديونها عليه. (ولا يدخل ضمن هذا الرشد الطفل العامل فهو مساو من حيث الاختراق للقواعد العقلية للطفل المتزوج) فالعمل كمحدد لرشد الكفاءة هو الذي يقوم به الإنسان البالغ الراشد فوق سن الثامنة عشرة.
حينئذ يستطيع تحمل مسؤولية الزواج والإنجاب والتربية والمساهمة الفاعلة في المجتمع وهذا الرشد هو المحدد الفعلي لسن الزواج وهو سن يتعدى الثامنة عشر. فالإنسان دون دخل حتى وان بلغ من السن عتياً سيظل تابعاً وعاجزاً عن تحمل المسؤولية باعتماده على الغير في معيشته وهو في ذلك يشبه الطفل الحدث. ورشد الكفاءة تحدده قوانين العمل والاتفاقيات الدولية التي تحدد السن المسوح بها دخول سوق العمل، صحيح أن هناك ظاهرة دخول الأطفال سوق العمل مبكراً إلا أن هذا يعتبر اعتداءً على حقوقهم في التعليم والرعاية «والحماية من الاستغلال» وهذا لا يمنحهم رشد الكفاءة ولا ينزع عنهم صفة الطفولة وهي ظاهرة تتصف بها بلدان العالم الثالث حيث تغيب التشريعات التي تحمي الأطفال من الاستغلال وتعريضهم لأسوأ الأعمال وأخطرها.
الرشد التام: وهو الوصول إلى سن النضج الكامل عند الأربعين سنة فتكتمل مع هذا الرشد تجارب الإنسان «لأن في الأربعين يتناهى عقل الإنسان وفهمه»ويصير قادراً على المساهمة الاجتماعية بفاعلية وكفاءة موثوقة كما ذُكر في القرآن الكريم «{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} الأحقاف 15»
وكان المأمول من قوانين الأحوال الشخصية أن تعتبر الرشد شرطا واجبا في عقد الزواج بدلا من الاكتفاء بشرط البلوغ، وهو شرط يقضم حقوق الأطفال ويحولهم إلى كبار قبل الأوان، ويساهم في نشوء أسرة ضعيفة ومعتلة في الصحة والتكوين والكفاءة… مما ينعكس على المجتمع بسبب سلوكه المخترق لقواعد التطور والنمو الطبيعي .الرشد مفهوم متصل باكتمال النمو البدني والرشد العقلي ، بينما البلوغ كمفهوم مستقل متصل بالتحول البدني (الحيض عند الفتاة والحلم عند الفتى) والبلوغ كأداة متصلة بالرشد ليس واحداً فهو يعني : بلوغ سن التكليف الديني «لممارسة العبادات» ويمكن أن يُفهم بأنه: بلوغ بيولوجي عضو جسماني «الحيض والحلم» أو: بلوغ سن الرشد وهو البلوغ الجامع الصالح للتحديد المعياري. وإذا كان الزواج يشترط بلوغ سن الرشد فإن هذا السن في تراث الفكر الإسلامي لا يتحدد بسن معين وإذا كان البلوغ معناه البلوغ البيولوجي العضوي فإنه لا يصلح معياراً لسن الزواج، وهو قياس وفهم خاطئ. إن الشريعة الإسلامية ترفض هذا الزواج لعدة اعتبارات، منها أنه زواج يخلو من المودة والسكن والرحمة كما أكدت على ذلك الآيات القرآنية، وهو زواج تغلب عليه ناحية واحدة فقط هي إشباع حاجة كل طرف نحو الآخر، واصفاً هذا النوع من الزواج بالكارثة والظلم فهو بهذا يعتبر زواج متعة ترفضه كافة المذاهب الفقهية. ومن أجاز تزويج القاصرات بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوّج عائشة رضي الله عنها في سن التاسعة فإن ذلك أمر لا صحة له، فزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من عائشة في هذا السن يعتبر من خصائصه، كما أن ذلك كان قبل حديثه عليه الصلاة والسلام ” لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن” إن رفع سن زواج الفتاة إلى 18 عاما أنسب للفتاة ،وإن تلك السن كان معمولاً بها في قوانين الأحوال الشخصية المطبقة في بعض الدول الإسلامية ومنها مصر، أن يكون الزواج مرهوناً بالوصول إلى سن الرشد، لأن بالرشد تعرف الفتاة الضار من النافع.
مع الاحترام
إدارة جمعية نساء وآفاق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق